سهير الباتع.. طفلة تربّت في قرية مصرية تُسمى “منشية الأخوة” في محافظة الدقهلية في الدلتا. حالها كحال آلاف القرى في مصر: لا خدمات، لا تنمية، فقط فقر مدقع وجهل يحكم.
نشأت سهير الباتع في أسرة بسيطة لم يكمل أبواها علمهما، وكآلاف الأسر الريفية في مصر، ترى أن الحفاظ على شرف البنت يبدأ من إفقادها أنوثتها، عبر عملية “ختان” تُجرى بآلات بدائية ولا تستغرق سوى دقائق تتحصن بعدها الفتاة في رأيهم ضد “إغراء الجنس”.
فقدت الطفلة حياتها وهي لم تكمل الثلاثة عشر ربيعا بسبب عادات بالية ينسبها البعض للإسلام، ويروّج لها شيوخ يظنون أن التدين يمكن أن يُفرض على المرء قسراً.
ولطالما عانت مصر من عمليات ختان الفتيات وهنّ في مقتبل الشباب لاعتقاد أهاليهن أن تلك العملية الجراحية من شأنها مساعدة الفتيات على “الحفاظ على شرفهن” عبر تقليل الإحساس بالشهوة الجنسية لديهن، لكن في الحقيقة أن القائمين على هذه العمليات، خصوصا في القرى، من غير المتخصصين، يقومون بتشويه العضو التناسلي للفتاة ببتر جزء من “البظر”، ما يُسبب للمرأة أضرارا نفسية وصحية جمّة، حسب منظمة الصحة العالمية.
قبل الثورة كافحت مصر ختان الإناث وجرّمته، وعوقب أطباء نفذوا عمليات ختان، ما ساعد في الحد من تلك الظاهرة، لكن ما إن اعتلى الإسلاميون الحكم، حتى بدأوا في الترويج لـ “فوائد الختان” في الحفاظ على قيم وتقاليد المجتمع، ووجد حديثهم صدى لدى أهل الريف الذين كادوا ينصرفون عن تلك العادات الضارة.
ووصل الأمر إلى حد رفع شيخ سلفي دعوى قضائية لإلغاء المادة 212 من قانون العقوبات وقرار سابق لوزير الصحة في العام 2007 اللذين يحظران إجراء عمليات ختان للإناث، زاعماً مخالفتهما “لأحكام الشريعة الإسلامية والعادات والأعراف المستقرة”، لكن المحكمة الدستورية العليا تصدت لتلك الدعاوى وقضت قبل أشهر بتثبيت تلك النصوص.
لكن بالرغم من تجريم العملية قانونا، إلا أن شيوخا سلفيين يقومون بحملات في القرى النائية لإجراء عمليات ختان للفتيات فيها مجانا، من دون أن تتصدى لهم السلطات.
وفجّرت قضية الطفلة الراحلة سهير الباتع، التي قضت قبل أيام في عيادة طبية متهالكة في قريتها أثناء ختانها، مجددا المعركة ضد عمليات الختان التي تقول عضو المجلس القومي للمرأة نهاد أبو القمصان إنها زادت بعد الثورة عما كانت عليه قبلها. وأضافت أبو القمصان: “يمكن القول إن كل الجهود للقضاء على تلك العادة الضارة ذهبت هباء بسبب فتاوى وآراء شيوخ غير متفقهين، فضلا عن غضّ الدولة طرفها عن تلك الجرائم، وكأنها تعطي الضوء الأخضر لتنفيذها”. وتساءلت أبو القمصان: “كيف تواجه الدولة ظاهرة سلبية إن كان القائمون على الحكم يتبنونها ويعتبرونها ضرورة؟”.
وأوضحت أبو القمصان أن الرصد الميداني يشير الى زيادة تلك العمليات. وقالت: “للأسف، من يقوم بتلك العمليات تترسخ في عقليته أنه كلما بتر من العضو التناسلي، كلما حافظ على شرف البنت، لكن في الحقيقة ما يحدث هو تشويه للعضو التناسلي يُفقد الفتاة أنوثتها”.
ودان مجلس المرأة في بيان “عملية الختان البشعة” التي أودت بحياة الطفلة سهير. وقال المجلس في بيان إن “الحادث الإجرامي ينمّ عن وحشية بالغة، ويمثّل انتهاكا لكافة الديانات السماوية التي تؤكد حرمة المساس بالجسد، وتُعدُّ تصرفا لا إنسانيا تمثل خرقا شديدا لحقوق الإنسان، واعتداء على القوانين الوطنية والمعاهدات الدولية”.
وطالب المجلس السلطات بالتحقيق في هذا “الحادث المأسوي”، ومعاقبة المتورطين فيه، مناشدا المواطنيين الإبلاغ عن أية معلومات لديهم تتعلق بواقعة إجراء عملية ختان في أي عيادة أو مركز طبي.
اطلع من راسى