الأحد، 2 ديسمبر 2012

مرض التحرش الجنسي: فضيحة أخلاقية تجتاح المجتمع وتجعل من المرأة "ملطشة"

TwitThis

نيوز كافيه_

تغادر مريم صباح كلّ يومٍ منزلها إلى الجامعة، وتستقلّ لهذه الغاية، سيارة أجرة. في السيارة دوماً أناس كثيرون، لكنها هذه المرة كانت وحدها. استغلّ السائق هذا الأمر، وأخذ يدور في طرقٍ لم تعتد الدخول إليها. غازلها. خافت، فهِمت نظراته وايحاءاته الجنسية، وطلبت أن يوقف السيارة. قصّةُ مريم تتكرر كل يوم مع عدد غير بسيط من الفتيات، وهي تنتهي اما بشكل "سعيد"، أي باستطاعة الفتاة "الهرب"، أو قد تصل الى "الفاجعة"، أي الاغتصاب.

تقول الدراسات، انه عملٌ "مقصود يتم بأساليب مختلفة: سمعية، بصرية، أو جسدية بهدف إثارة جنسية او إشباع للذة الجنسية"، لكن عضو مجموعة "نسوية" نادين معوّض تعرّفه بأنه "أي فعل ذات طابع جنسي وغير مرغوب فيه من النظرة الى الكلمة وصولاً الى الاعتداء الجنسي والجسدي". نعم، إنه التحرّش الجنسي.

 

التحرش "أشكال"!
في ظلّ تنامي "ظاهرة التحرش"، أجريت أبحاث كثيرة عنها،  ونتج عن ذلك تحديد "أشكال" للتحرش، منها: لمس الجسد، التصفير، المعاكسات الكلامية (التلطيش)، النظرة الفاحصة للجسد، تلفظ بألفاظ ذات معنى جنسي، الملاحقة والتتبع، المعاكسات التليفونية، والملاحقة والايحاءات الجنسية الالكترونية.

 


أماكن العمل مركز التحرش الأبرز!
لمى فتاة تعمل في فندق معروف في بيروت، حاول مديرها لمس يدها أكثر من مرة، وغضّت النظر ظنّا منها ان الموضوع غير مقصود. حاول مرات أخرى ان يلمسها عنوةً - فهو يتعامل بهذه الطريقة مع أكثر من موظفة – لكنها منعته. تعمّد عندها التعليق على ملابسها، معتبراً انها "لا تليق بالعمل"، فهي محتشمة جداً! وما إن سألته عن الطريقة المناسبة، حتى انهال عليها بالشتائم والكلمات النابية، قائلاً: "هل تظنين أني أريد جسدكِ؟ إنكِ لا تعنيني". هي لم تذكر أبدًا موضوع "الرغبة الجنسية" لمديرها، ولا حتى فكّرت به.
قصة لمى ليست "فريدة"، فهي كثيرًا ما تتكرر في أماكن العمل، حيث يعتبر المدير او الشخص المسؤول، أن كل النساء اللواتي يعملن لديه، هنّ "جارياته"، حتى أن العاملات الاجنبيات يتعرضن للتحرش من قبل مستخدميهن. وفي هذا الاطار، حضّرت "نسوية" مشروع قانون مع المحامي نزار صاغية، وهي تستعد للمطالبة بأن يدرج في قانون العمل لحماية الموظفات من التحرش الجنسي، وضمان حقوقهن الوظيفية، كما تكشف معوّض في حديثها لـ"النشرة".

 

ثقافة "التلطيش"..
"شو يا قشطة"، مثلاً، عبارة سمعتها أغلبية النساء والبنات، فهي كثيراً ما تتردد على ألسنة الشباب اللبنانيين. "الجغل المحروم" الذي يستعمل طريقة "التلطيش" ربّما لا يعرِف أنها تعني تحرشاً جنسياً... وفي هذا الإطار، نظّمت مجموعة "نسوية" حملةً شددت فيها على وجوب عدم السكوت على هذه العبارات، ودعت الى التبليغ فورًا.
وفي هذا الاطار، تشير معوض الى ان "الثقافة العامة في لبنان تشجع على التحرش لان النساء لا يتحدثن عن التحرش مما يؤمن بيئة حاضنة لذلك".
واذ توضح معوّض ان متطوعات "نسوية" يرافقن البنات المتعرضات للتحرش الى المخافر للادعاء على الفاعل، تؤكد ان التعاطي معهن يختلف، فالطريقة تكون في مكان ما تكون سيئة للغاية وفي مكان اخر تكون حسنة، وذلك حسب الدركي المسؤول وأخلاقه.

 

الدرك والنواب يشاركون أيضاً.. بـ"التحرش"؟!
في سياق متصل، تشير عضو "نسوية" الى ان الكثير من عناصر الدرك يتحرشون بالفتيات والنساء على الطرقات. لكن مصدرًا في قوى الامن الداخلي يرفض الاتهام بأن عناصر الدرك "يتحرشون" جنسياً بالفتيات، ويؤكد لـ"النشرة" أن هذا الموضوع مرفوض، وان حصل، فان العنصر يحاسَب مسلكيًا عليه، ويلفت الى ان هناك عناصر نساء في سلك قوى الامن الداخلي، في اشارة الى ان القوى الأمنية تحترم المرأة.
وفيما تعتبر معوّض ان "الشكوى في اطار القانون اللبناني تأتي تحت عنوان الشرف والعرض، وهذا ما ترفضه "نسوية"، وتشدد على ان "لا شيء في القانون اللبناني حاليًا يحمي من التحرش". وتقول: "لا اعرف ان كان يجب ان نتوجه بالمطالبات حول القانون الى مجلس النواب، ففيه ايضا نواب يتحرشون بالصحافيات كما أوردت احدى الصحف مسبقًا".
ويؤكد المصدر ان التحرّش الجنسي هو جُرم يعاقب عليه القانون، ويكشف أن قوى الامن نظمت 63 ضبطا على خلفية التحرش الجنسي سنة 2011، و55 آخرين العام الحالي.

 


تأثيرات نفسية
يؤكد علماء النفس أن "التحرش الجنسي ليس إعتداءً على جسم الانسان فقط، بل على حياته أيضاً، لأنه يؤثر في خياراته اليومية، وينعكس على الاماكن التي يقصدها والمكان الذي يعيش فيه والثياب التي يرتديها والمكان الذي يعمل فيه، والمكان الذي يختلط فيه اجتماعيا ومع مَن. كما أنّ التحرش الجنسي يتسبب بالحرمان للمرأة على المستوى الشخصي والاجتماعي والمالي. إلى ذلك، فإن الدراسات أثبتت أن كتمان التحرش الجنسي يؤثر على الأمد البعيد بالأجيال القادمة في العائلة.

 

أصرخنَ: "لا للتحرّش"!
سلوى فتاة لبنانية عادية، اختارتها مجموعة "نسوية" لتكون صورة الفتاة المكافِحة للتحرش الجنسي،  بعد ان وصلت معدلاته إلى درجة لم يعد بالإمكان احتمالها، وذلك في محاولة لاقناع النساء اللواتي يتعرضن للتحرش، بالحديث عن الموضوع، وعدم كتمانه، لمكافحة هذه "الثقافة" ومنعها من الانتشار أكثر. وتوضح معوّض أن "سلوى أصبحت معروفة جداً، وهي تمثّل شريحة كبيرةً من النساء في مجتمعاتنا، وتحضّهن عبر "حقيبتها" (التي تدافع بها عن نفسها في كلّ مرة تتعرض فيها لتحرش) للتكلم، و"الثورة" على التحرش، ورفضه، ومحاربته، لأن ذلك هو السبيل الوحيد لمنع تزايد هذه الظاهرة في ظلّ إنعدام وجود نصّ قانوني واضح يحمي المرأة من التحرش".

 

تُظهر الاحصائيات العالمية أن العالم العربي يتصدّر لائحة الدول "الغنيّة" بالتحرش الجنسي. وإذ تشير الدراسات نفسها إلى أن السعودية ومصر هما الدولتان الأكثر خطورة بالنسبة لمعدلات التحرش فيها، فإنها تلفت الى ان معدلاته في لبنان مرتفعة، إذ إن نسبة النساء اللواتي يتعرضن للتحرش الجنسي بصورة مستمرة تصل إلى 30%.

وفي ظلّ غياب التوعية الرافضة لـ"ثقافة التحرش"، تنعدم الأصول القانونية التي تُحرم التحرش وتجرّمه، إذ يقتصر الأمر في معظم الدول على تجريم الاغتصاب فقط. وفي غضون ذلك، فقد أصبح التحرش مرضًا اكتسح أخلاق الشباب، وجرّدها من كلّ ما يمتّ الى الانسانية بصلة، ما جعل المرأة، "شجرة عارية" تحارب عاصفة الأخلاق المعدومة، وحيدة. وفي ظلّ صمتِ النساء والفتيات عن الجريمة الأخلاقية التي يتعرضن لها يوميًا في الشوارع ووسائل النقل وأماكن العمل والمنازل، فإن فضيحة المجتمع الأخلاقية والثقافية والاجتماعية لا تزال تتضخّم، وتنتظر من يقول: "لأ" للتحرّش. 

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 

Twitter Blog Templates © copyright by غرائب و عجائب الدنيا | Template by BloggerTemplates | Blog Trick at Blog-HowToTricks تعريب : ق,ب,م